خدمات بلاس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الخلافة والملـــــــك

اذهب الى الأسفل

الخلافة والملـــــــك Empty الخلافة والملـــــــك

مُساهمة من طرف Admin الجمعة أبريل 15, 2016 4:52 pm

-----------------------------------------الحكم أول عرى الإسلام-------------
للأستاذ :عبدالله هاشم السياني

لقد انحرف الحكم الإسلامي بعد أن تحول من الخلافة الراشدة إلى الملك العضوض باتفاق جميع المسلمين وفرقهم.. وكان ذلك التحول والانحراف متوافقاً مع ما أخبر به المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المروي عنه والذي قال فيه "الخلافة من بعدي ثلاثون عاماً ثم ملك عضوض"، ومنسجماً مع التحذير النبوي الموجه من المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسلمين كافة والذي يقول فيه "تنقض عرى الإسلام عروة عروة أولها الحكم وآخرها الصلاة" الذي حمل في مضمونه خوف رسول الله وخشيته من انتقاض عرى الإسلام عروة بعد أخرى والتي تشير عبارة "عرى الإسلام" إلى تماسكها وترابطها مع بعضها البعض، كون (الحكم) هو أول عرى الإسلام التي نبه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن نقضها سيؤدي إلى انفراط بقية العرى، وأن عروة (الحكم) لو انتقضت فإن بقية العرى ستنقض لتصل إلى آخرها (الصلاة) التي هي أهم أركان الإسلام وأبعد الفروض التي يمكن انتهاكها أو التفريط فيها في احتمال المسلمين.

ولعلم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأهمية ترابط أوامر الدين وتعاليمه ببعضها في تطبيق المسلمين فقد جاء الحديث المروي عنه يخبرنا أن انحراف المسلمين عن إسلامهم إذا تم وحدث فإنه سيبدأ من الحكم أول عرى الإسلام الذي تكمن أهميته في حفظ الدين من خلال دور الأمة في المحافظة على الحكم من الانحراف..

ÕÕÕ

أبو الأعلى المودودي -أحد أهم العلماء وقادة الحركات الإسلامية المعاصرة- رصد الانحرافات التي أصابت الخلافة الراشدة في كتابه (الخلافة والملك) ونحن بدورنا سنقوم بنقل ما قاله في كتابه هذا بالنص، أولاً لكونه محسوب على المدرسة التي تعتبر معاوية من الصحابة، وثانياً لأن ما أورده منقول من الكتب المعتمدة لدى هذه المدرسة..

الفروق بين الخلافة والملك

(1) تنصيب الخليفة:

"في ظل الخلافة الراشدة كانت القاعدة الدستورية المتبعة في هذا الأمر ألا ينهض أحد من المسلمين نفسه ليستولي على الخلافة أو يركب السلطة بسعيه وتدبيره إنما كان الناس يضعون أعنة الحكم -بعد تشاورهم- في يد من يرونه أصلح لقيادة الأمة وأكفأ لزعامتها...

لقد بدأ الملك بتغيير هذه القاعدة ولم تكن خلافة سيدنا معاوية رضي الله عنه من نوع الخلافة الراشدة... لأن معاوية كان يريد أن يصبح خليفة بأي حال من الأحوال ولذلك قاتل إلى أن اعتلى الخلافة كما أن خلافته لم تكن عن رضا المسلمين ولم يختره الناس اختياراً حراً إنما تأمر عليهم بقوته وسيفه فلما رأى الناس أنه صار خليفة عليهم بالفعل لم يكن أمامهم أي مفر غير مبايعته وقد قال معاوية في خطبة له بالمدينة في بداية عهده:

أما بعد فإني والله ما وليت أمركم حين وليته وأنا أعلم أنكم لا تسرون بولايتي ولا تحبونها وإني لعالم بما في نفوسكم من ذلك ولكني خالستكم بسيفي هذا مخالسة.. وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله فارضوا مني ببعضه".

(2) طريقة عيش الخلفاء:

"وثاني التغيرات وضوحاً بعد هذا كان اختيار الخلفاء والملوك -إن صح التعبير- اسلوب عيش قيصر وكسرى منذ بداية عهد الملك.. فلقد اتخذوا لسكناهم قصوراً ملكية أحاطوها بحرس وعسس خاص وجعلوا الحراس يمشون أمام مواكبهم والحجبة يحولون بينهم وبين الشعب... واختاروا طراز ملوك الروم وإيران وقد كانت بداية هذا التغيير في عهد معاوية ثم ازدادت من بعده أضعافاً مضاعفة".

(3) في وضع بيت المسلمين:

"والتغير الثالث –وهو تغير هام- وقع في تصرف الخلفاء في بيت المال فلقد كان بيت المال –كما في التصور الإسلامي- أمانة الخلق والخالق لدى الخليفة وحكومته، ولا حق لأحد –أيٍ كان- في التصرف فيه حسب مزاجه فما كان في استطاعة الخليفة أن يدخل فيه أو يخرج منه مليماً واحداً خلافاً للشرع.

أما في عصر الملك فقد تبدل هذا التصور وأصبحت خزانة الدولة ملك للسلطان وأسرته وما على الرعية سوى أن تدفع له الخراج دون حق في مساءلة الحكومة أو محاسبتها... ولعل أكبر ظلم اقترفوه في هذا هو فرض الجزية على من كانوا يدخلون في الإسلام.. خوفاً من نقصان دخل بيت المال بانتشار الإسلام".

(4) زوال حرية الرأي:

"كان من بين التغييرات التي حدثت في ذلك العصر تغير آخر على جانب كبير من الأهمية ألا وهو سلب المسلمين حريتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حين أن الإسلام لم يجعلها لهم حقاً وكفى بل فرضها عليهم فرضاً...

هذه الحرية كانت مصونة ومكفولة للناس أيام الخلافة الراشدة على أكمل وجه ولم يكن الخلفاء يسمحون بها وكفى بل كانوا يحثون رعيتهم عليها فما كان الزجر والتهديد والوعيد جزاء من ينطق بالحق.

فلما انقلب الحال وأضحت الخلافة ملك حبست الضمائر بأقفال غلاظ وربطت الألسنة بأربطة متينة وأصبح قول الحاكم للمحكومين إن أردتم فتح أفواهكم فافتحوها لتنطق بمدحي وإطرائي ومداهنتي وإلا فاسكتوا. وإن كانت بضمائركم يقظة وقوة لا تستطيعون معها الامتناع عن قول الحق فتأهبوا للسجن والقت
ل والتعذيب والتشريد... ولقد بدأت هذه السياسة الجديدة في عصر معاوية بقتله سيدنا حجر بن عدي عام 41 هجرية وكان صحابياً جليلاً زاهداً عابداً من أكابر صلحاء الأمة فلما بدأ في عصر معاوية لعن سيدنا علي فوق المنابر وسبه وشتمه جهاراً ونهاراً تألم المسلمون لذلك في كل بقعة غير أن الناس سكتوا عن ذلك على مضض إلا سيدنا حجر لم يستطع على ذلك صبراً فراح في الكوفة يمدح علياً ويذم معاوية... فقبض عليه وعلى اثني عشر من رفاقه...

فأمر معاوية بقتله وسبعة من رفاقه وقبل قتله قال له الجلاد: "أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له فإن فعلتم تركناكم وإن أبيتم قتلناكم" قال حجر وأصحابه: "لسنا فاعلي ذلك" وقال حجر: "لا أقول ما يسخط الرب" ورد معاوية أحدهم وهو عبدالرحمن بن حسان إلى زياد وكتب له "اقتله شر قتله فدفنه حياً".

وكانت السيدة عائشة قد كتبت إلى معاوية تمنعه من الإقدام على هذا الفعل فلما جاء للقائها ذات مرة بعد ذلك قالت له: "يا معاوية أما خشيت الله في قتل حجر وأصحابه"... يقول الحسن البصري: "أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة، انتزاؤه على هذه الأمة بالسيف حتى أخذ الأمر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة وذوا الفضيلة واستخلافه بعده ابنه سكيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب الطنابير، وادعاؤه زياد وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر، وقتله حجر وأصحاب حجر فيا ويلا له من حجر ويا ويلاً له من حجر وأصحاب حجر"

هذه السياسة نزعت من المسلمين شجاعتهم رويداً رويداً وجعلتهم خدام المنفعة وعباد المصلحة فنقصت فيهم أعداد من لا يخافون في الحق لومة لائم".

(5) زوال حرية القضاء:

"كان مبدأ حرية القضاء أيضاً من المبادئ الأساسية في الدولة الإسلامية ورغم أن القضاة كانوا يعينون بأمر الخلفاء في ظل الخلافة الراشدة إلا أنهم كانوا متحررين من كل قيد وضغط سوى خشية الله... لدرجة أن القاضي باستطاعته أن يحكم ضد الخليفة نفسه فلما انقلبت الخلافة ملكاً أخذ هذا المبدأ يتكسر ويتلاشى فالأمور التي كان يرغبها أولئك الملوك غير المتوجين لأسباب سياسية أو علل شخصية... حتى صار العدل في القضايا المرفوعة ضد الأمراء والولاة والقادة بل وجلاوزة السلطان ومتزلفي القصور الملكية أمراً عسيراً.. إلى حد أن كان سلطة الولاة عزل القضاة وتعيينهم".

(6) انتهاء حكومة الشورى:

"كان تسيير الحكومة بالشورى قاعدة هامة من القواعد الأساسية للدولة الإسلامية... فلما انقلبت الخلافة ملكاً انقلبت هذه القاعدة أيضاً فحل الاستبداد الشخصي محل الشورى ونفر الملوك من أهل العلم الذين يقولون الحق كما فر هؤلاء بدورهم من الملوك، فإن اتخذ الملوك بعدئذ مستشارين فمن ولاتهم وقادتهم وأمراء الأسرة الملكية ورجال البلاط وليس من أهل الرأي الذين كانت الأمة تثق في كفاءتهم وأمانتهم ودينهم فكانت أكبر الكوارث التي تخلفت عن هذا...".

(7) ظهور العصبيات القومية:

"وهناك تغير كبير ظهر في زمن الملك هذا وهو عودة سائر العصبيات الجاهلية القومية والجنسية والوطنية والقبلية لأن ترفع رأسها من جديد بعد أن كان الإسلام قد أخمدها... فلقد اصطبغت حكومة بني أمية منذ بداية أمرها باللون العربي الخالص وتشددت له حتى كاد التساوي في الحقوق بين المسلمين العرب والمسلمين غير العرب يضيع ويتلاشى... وتولد في العجم إحساس بأن الفتوحات الإسلامية قد جعلتهم عبيداً أرقاء للعرب وبدأ الحكام يضعون في اعتبارهم جنس من كانوا يعينونهم ولاة أو قضاة في الدولة حتى أئمة الصلاة وهل هم من العرب أو من العجم فنرى الحجاج أصدر أمراً في الكوفة ألا يؤم الناس في الصلاة من كان من العجم ولما قبضوا على سعيد بن جبير وجاءوا به إلى الحجاج ذكره بإحسانه إليه إذ جعله إماماً للناس في الصلاة بينما الإمامة لا تكون لغير العرب، وأمر النبط في العراق ليضربوا أختاماً على أيديهم تميزهم عن العرب وأخرج المسلمين العجم من البصرة والكوفة... بل لقد وصل الأمر إلى حد منع تقديم العجمي ليصلي بالناس صلاة الجنازة اللهم إلا إذا لم يكن في الحضور ولو صبي من العرب وإذا أراد عربي مسلم أن ينكح مسلمة من الموالي كان عليه أن يرجع في ذلك لا إلى والدها أو أقاربها بل إلى من تتمتع أسرتها بولايتهم من العرب. ويروي أبو الفرج الأصفهاني أن رجلاً من بني سليم زوج ابنته لمسلم عجمي فذهب محمد بن بشير الخارجي إلى المدينة وشكاه عند الوالي ففرق الوالي على الفور بين الزوجين وجلد العجمي وحلق رأسه ولحيته وحاجبيه وأهانه إهانة بليغة.

ولم يسلك بنو أمية هذا التفريق بين العرب والعجم فحسب بل لعبوا نفس اللعبة بين قبائل العرب أنفسهم فأحيوا في عهدهم كافة المعارك والضغائن والنزاعات القبلية القديمة التي كانت بين العدنانيين والقحطانيين وبين العرب اليمانية والعرب المضرية وبين أزد وتميم وكلب وقيس وقد كتب ابن كثير في البداية والنهاية نقلاً عن ابن عساكر أنه في الوقت الذي كانت جيوش بني العباس تزحف إلى دمشق كانت نيران الع
ص
بيات بين اليمانية والمضرية تستعر في قلب العاصمة الأموية فكنت ترى في كل مسجد محرابين كل منهما يناصر شيعته لأن كلا الفريقين لم يكن على استعداد للصلاة خلف إمام ليس من رهطه".

(Cool زوال سيادة القانون:

والمصيبة الكبرى التي حلّت بالمسلمين في زمن "الملك" كانت انتهاك سيادة القانون مع أنها كانت من أهم المبادئ الأساسية في الدولة الإسلامية.. ومع أن قانون الدولة في عصرهم ظل قانوناً إسلامياً... إلا أن سياسة أولئك الملوك لم تكن خاضعة للدين فاقتضى ذلك أن ينفذوها بأي طريقة مشروعة أم غير مشروعة فلم يفرقوا فيها بين الحلال والحرام وبدأت هذه السياسة مع بداية عهد معاوية ويرى الإمام الزهري أنه في عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والخلفاء الراشدين الأربعة كانت السنة ألا يرث الكافر مسلماً ولا يرث المسلم كافراً فشرع معاوية أثناء حكومته يرث المسلم كافراً ولا يرث الكافر مسلماً فأبطل سيدنا عمر بن عبدالعزيز هذه البدعة فيما بعد غير أن هشام بن عبدالملك أعادها سيرتها الأولى.

ويقول ابن كثير ان معاوية قد بدل سنة الرسول والخلفاء الراشدين في الدية وكانت دية المعاهد مساوية لدية المسلم فخفضها معاوية إلى النصف وكان يأخذ النصف الآخر لنفسه، وثمة بدعة كريهة أخرى ظهرت في عهد معاوية وهي أن معاوية نفسه وسائر ولاته –بأمره- كانوا يكيلون السب والشتم لسيدنا علي في خطبهم على المنابر لدرجة أن كانوا يلعنونه وهو أحب أقرباء رسول الله إلى قلبه الشريف من فوق منبر المسجد النبوي نفسه وأمام الروضة النبوية ذاتها وكان أولاد سيدنا علي وأقرب أقربائه يسمعون هذا اللعن بآذانهم فلما تولى سيدنا عمر بن عبدالعزيز بدل هذه السنة فمنع لعن سيدنا علي وأحل محله الآية الكريمة (إن الله يأمركم بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون).

كذلك خالف معاوية كتاب الله وسنة الرسول خلافاً ظاهراً في تقسيم مال الغنائم فكتاب الله وسنة الرسول ينصان على ضرورة ذهاب خمس مال الغنيمة إلى بيت المال وتقسيم الأربعة أخماس الباقية بين الجند الذين اشتركوا في الحرب والقتال أما معاوية فقد أمر باستخراج الذهب والفضة من مال الغنائم واختص بها نفسه ثم قسم باقي المال حسب القاعدة الشرعية.

كذلك رفع معاوية ولاته فوق القانون ورفض رفضاً قاطعاً محاسبتهم حسب أحكام الشريعة على ظلمهم وتعديهم فذات مرة كان واليه على البصرة عبدالله بن عمرو بن غيلان يخطب في المسجد فرماه شخص بحجر فأمر أعوانه فأمسكوا به وقطعوا يده مع أن الشريعة لا ترى ذلك جرماً تقطع فيه يد فاعله فاستغاث الرجل بمعاوية فقال: "لا سبيل إلى القود من نوابي ولكن الدية" وأعطاه الدية من بيت المال.

وأكثر من هذا ظلماً ما ارتكبه بسر بن أبي أرطأه الذي كان معاوية أرسله من قبله ليستخلص الحجاز واليمن من سيدنا علي ثم بعثه بعد ذلك ليستولي على همدان فماذا فعل؟ قبض على طفلين صغيرين من أبناء عبيدالله بن عباس والي اليمن من قبل سيدنا علي وقتلهما فذهب عقل أمهما من جراء صدمتها هذه.

كل ذلك كان إعلاناً وتصريحاً للولاة والقادة بالحرية المطلقة في ظلم الناس وعدم اتباع أي حد من حدود الشريعة في الأمور السياسية.

وأول رأس قطع في الإسلام كان رأس سيدنا عمار بن ياسر وقد نقل الإمام أحمد بن حنبل في مسنده بسند صحيح كما نقل بن سعد في الطبقات رواية تقول أن رأس سيدنا عمار قطع في حرب صفين وأحضر إلى معاوية وتنازع عليه رجلان كلاهما يزعم أنه الذي قتل عمار. وكان الثاني بعد ذلك رأس عمرو بن الحمق وكان من بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكنه اشترك في قتل سيدنا عثمان وحاولت الحكومة أثناء ولاية زياد على العراق أن تمسك به ففر واختبأ في غار فعضته فيه حية فمات فلما وصل إليه من كانوا يتعقبونه قطعوا رأس جثته وأخذوه إلى زياد فأرسله إلى معاوية في دمشق فطوف به في المدينة ثم ألقي في حجر زوجته. كذلك سلكوا نفس هذا السلوك الوحشي الفظيع مع محمد بن أبي بكر في مصر وكان والياً عليها من قبل سيدنا علي فلما استولى عليها معاوية قتله ثم وضع جثته في جلد حمار ميت وأحرقها. ومن بعد ذلك أصبح أسلوباً دائماً معهوداً أن لا ترحم جثث الذين كانوا يقتلون بدافع الانتقام السياسي فقطع رأس الحسين رضي الله عنه وجيء به من كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى دمشق ثم داست الخيل على جثته ووطئت به الأقدام.

وبصرف النظر عما فعل بجثث هؤلاء الناس بعد موتهم وكم كانوا أناساً عظماء فضلاء فالسؤال هو هل أباح الإسلام فعل ذلك بكافر من الكفار؟".

ما بعد معاوية

بعد أن أصبحت أحوال المسلمين وأحوال الدولة الإسلامية متغيرة كما ذكرت كتب التاريخ المعتبرة عند المسلمين البداية والنهاية لابن كثير، والكافي لابن الأثير والطبري، وكما نقلها أبوالأعلى المودودي وحدد من خلالها الفروق بين الخلافة والملك فإن عملية انتقال السلطة من معاوية إلى من بعده -وكانت العمل الأخير في حكم معاوية- أدت إلى كوارث أصابت جسد الأمة المسلمة ودينها بانحرافات أك
ثر
وضوحاً وجرماً وأدت فيما بعد إلى خروج المسلمين ورموزهم عن حالة الخنوع التي كاد المجتمع الإسلامي ينسى معها مهمته المقدسة في إقامة الدين وحراسته وتقويم الحكام وتصحيح انحرافهم انطلاقاً من مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ويكفي هنا أن نشير إلى أهم الانحرافات التي حدثت في عهد يزيد غير اعتلائه خلافة المسلمين ورئاسته الدولة الإسلامية التي تعتبر في حد ذاتها انحرافاً قائماً بذاته.

ويذكر المؤرخون الذين نقل عنهم أبوالأعلى المودودي في كتابه (الخلافة والملك) ثلاثة أحداث في ولاية يزيد توضح بجلاء طبيعة الانحراف وتراكمه واتساعه ودرجته التي وصل إليها وهي كما أوردها المودودي:

- الحدث الأول:

"قتل الحسين بن علي رضي الله عنه والذي لاشك أنه خرج لقلب نظام حكومة يزيد بدعوة من أهل العراق وكانت حكومة يزيد تعتبره زعيم الثورة عليها... مع أننا لا نعرف واحدا من الصحابة أو التابعين سواء في حياته أو بعد مماته قال أن خروجه ذاك كان خروجاً غير شرعي... رفض الحسين تسليم نفسه لابن زياد لأنه كان يعرف ما فعله ابن زياد بمسلم بن عقيل فقاتلوه فلما استشهد رفاقه كلهم ووقف في الميدان وحده هجموا عليه بمفرده فلما جرح ووقع ذبحوه ونهبوا ما كان على جسده ومزقوا حتى ثوبه الذي كان يستر جسده ثم داسوا بالخيل فوقه ثم وطأوه بأقدامهم ثم تحولوا إلى مقامه فنهبوه ومزقوا أثواب النسوة وقطعوا رأس كل من استشهدوا في كربلاء وجاؤا بها إلى الكوفة ولم يكتف ابن زياد بأن يجعل منها معرضاً أمام الناس بل صعد منبر المسجد الجامع وقال: "الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه وقتل الكذاب بن الكذاب الحسين بن علي وشيعته" ثم أرسلت كل هذه الرؤوس من بعد إلى يزيد في دمشق فعلقها في أبهية البلاط وصالاته.

ولنفرض أن الحسين –حسب وجهة نظر يزيد- كان يتزعم الثورة والعصيان فهل خلا الإسلام من قانون يعاقب الخارجين على الحكومة؟ إن هذا القانون مدون في كافة كتب الفقه المفصلة الجامعة وإن شئتم الاطلاع عليه فدونكم كتاب واحد مثل كتاب الهداية وشرحه فتح القدير باب البغاة ولو نظرنا بعين هذا القانون إلى كل ما جرى من ميدان كربلاء وإلى بلاطات الكوفة ودمشق لوجدنا أن كل جزئياته وكل تفصيلة من تفصيلاته كانت –قطعاً- حراماً وظلماً شديداً ما بعده ظلم، يقول ابن كثير عن يزيد أنه لم يعاقب ابن زياد ولم يعزله بل لم يوجه إليه حتى ولو رسالة لوم ومع أن الإسلام شيء عظيم إلا أنه لو كان في يزيد رمق من المروءة والنبل لفكر كيف كان إحسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم –بعد فتح مكة- إلى آل بيته وكيف عاملت حكومته آل بيت الرسول".

- الحدث الثاني:

"كان حرب الحرة التي وقعت في نهاية عام 73هـ آخر أيام يزيد ومجمل أحداثها أن أهل المدينة قرروا أن يزيد فاسق فاجر ظالم ثم ثاروا عليه وطردوا عامله على المدينة وأمَّروا عليهم عبدالله بن حنظله فلما بلغ يزيد جعل مسلم بن عقبه (ويسميه السلف الصالح مسرف بن عقبة) على رأس اثنى عشر ألف لمهاجمة المدينة وأمره أن يدعوا أهلها إلى الطاعة ثلاثة أيام فإن رفضوا فليقاتلهم فإن هزمهم فليبح المدينة لجنده ثلاثة أيام. سار الجيش على هذه الخطة إلى المدينة ووقعت الواقعة وفتحت المدينة ثم ترك العسكر –حسب أوامر يزيد- ليفعلوا فيها ما يشاؤون وعلى مدى الأيام الثلاثة نهبت كل ضاحية في المدينة فأعمل العسكر سيوفهم في رقاب أهلها وأبادوا من فيها حتى هلك بأيديهم حسب رواية الإمام الزهري سبعة ألوف من الأشراف وقرابة عشرة ألوف من بقية الشعب والغضب كل الغضب أن هذا الجيش البربري استباح بيوت المدينة وهتك أعراض نسائها بلا خجل ولا تردد يقول ابن كثير: حتى قيل أنه حبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زواج".

- الحدث الثالث:

"وذات مرة طعن الحسن البصري فقيل له لكأنك راضٍ عن أهل الشام (يعني بني أمية) فقال: أنا راض عن أهل الشام؟ قبحهم الله وبرحهم أليس هم الذين أحلوا حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقتلون أهله ثلاثاً قد أباحوها لأنباطهم وأقباطهم يحملون الحرائر ذوات الدين لا ينتهون عن انتهاك حرمة، ثم خرجوا إلى بيت الله الحرام فهدموا الكعبة وأوقدوا النيران بين أحجارها وأستارها عليهم لعنة الله وسوء الدار.

فلقد هاجم نفس ذلك الجيش الذي فعل ما فعل في حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد فراغه من أمر المدينة فرمى الكعبة الشريفة بالحجارة فتهدم جدار من جدارها ومع أن الروايات تقول أيضاً أنهم أوقدوا النيران في الكعبة وتذكر لإضرامهم النار فيها أسباباً أخرى إلا أن حادث رمي الكعبة بالحجارة حادث متفق عليه".

لماذا نقلنا كل ذلك؟

- إن ما نقلناه من كتاب (الخلافة والملك) لأبي الأعلى المودودي تحت عنوان الفرق بين الخلافة والملك، وما كتبه حرفياً عن تلك الفروق، وعن الأحداث التي وقعت في عهد يزيد فالهدف منه إطلاع القارئ على الوضع العام للمسلمين في تلك الفترة، وعلى درجة الانحراف التي مارسها معاوية وابنه يزيد على الخصوص وهم يتسنمون حكم الدولة الإسل
ام
ية ويتسمون بأمير المؤمنين، ولأن مؤلف هذا الكتاب رائد إسلامي وأحد فقهاء القانون في الحركة الإسلامية والذي كتب ما كتب عن معاوية وهو يقول عنه (سيدنا معاوية رضي الله عنه) ويعده من صحابة رسول الله ونقل كل ما نقل من الكتب المعتمدة عند أهل السنة والجماعة وحرص على الإشارة وبدقة إلى مصدر كل فقرة من الفقرات التي نقلها سواء عن ابن كثير والمسعودي أو ابن سعد وابن جرير الطبري وابن قتيبه وابن عبدالبر وابن الأثير، وحدد الصفحة والمجلد واسم الكتاب الذي نقل منه كل تلك الأحداث والأخبار والمواقف.

وليعلم القارئ أيضاً أي وضعٍ عاشه المسلمون في تلك الفترة، وماذا بقي من أمور الدين والإسلام لم يتم انتهاكها؟ وكيف وصلت حالة المسلمين في تلك الفترة من الخضوع والخنوع والصبر على كل تلك المظالم والانحرافات؟ دون أن يظهر لهم دور أو حركة احتجاج أو رفض أو مقاومة أو استنكار لأفعال معاوية وابنه يزيد انطلاقاً من الواجب الإسلامي المفروض على كل مسلم (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) والحق الذي منحه جل وعلا لكل مسلم لتصحيح الانحرافات بإقامة المعروف والنهي عن كل منكر..

ومن جانب آخر فإن ما ذكره المودودي من انحرافات أصابت الجسد الإسلامي في نظام حكمه منذ وقت مبكر يوضح بجلاء ارتباط ذلك الانحراف بحياة المسلمين والتزامهم الشرعي عموماً، ومقدار انعكاسه السلبي وتأثيره السيء على عقائدهم ونمط تفكيرهم، ودرجة الضرر التي تلحق الفرد المسلم والمجتمع الإسلامي عامة لا تقف على الماضي أو الحاضر بل تمتد للمستقبل.


أ.عبدالله هاشم السياني

رئيس مركز الرائد للدراسات والبحوث

اليمن - صنعاء


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المقال مقتطع من بحث للأستاذ عبدالله هاشم لايزال تحت الطبع.
http://www.yemenscholars.com/index.php/ar/2012-01-22-21-13-33/37-2012
-03-03-06-22-18

Admin
Admin

المساهمات : 31
تاريخ التسجيل : 29/01/2016

https://pleus.rigala.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى